لقد ازداد الوعي بالآثار الضارة للمبيدات الكيماوية وبدأت الكثير من البلدان بوضع ضوابط على هذه المبيدات والتشجيع على الزراعة العضوية. وتشكل المكافحة الحيوية حجر الأساس فيها. والمكافحة الحيوية لها تاريخ طويل في مكافحة الآفات والامراض الفطرية التي تصيب النبات. ولكن الآن عاد الاهتمام بها وتشجيعها. هنا سنتعرف أكثر على المكافحة الحيوية وماهي طرقها وعواملها الأساسية.
Instagram , Facebook , Twitter ,
ما هي المكافحة البيولوجية (Biological control):
تشير المكافحة البيولوجية للآفات والأمراض النباتية إلى استخدام الأعداء الطبيعيين مثل الحيوانات المفترسة أو الطفيليات أو الكائنات الحية الدقيقة المفيدة لإدارة وتقليل تأثير الآفات والأمراض على النباتات. إنه نهج أساسي في الزراعة العضوية. يهدف إلى تقليل استخدام طرق المكافحة الكيميائية والمخاطر المرتبطة بها.
يمكن لعوامل المكافحة البيولوجية، مثل أنواع العصيات وعزلات الترايكوديرما، أن تمنع أو تقتل مسببات الأمراض النباتية من خلال النشاط المباشر المضاد للميكروبات، وتحريض الاستجابة المناعية للنبات المضيف، والتنافس على العناصر الغذائية والفضاء..
تتمتع عوامل المكافحة الحيوية هذه بالقدرة على أن تكون فعالة في تقليل خسائر المحاصيل وتحسين الاستدامة الزراعية. وتوفر المكافحة البيولوجية نهجًا مستدامًا وسليمًا بيئيًا لإدارة الآفات والأمراض النباتية في الزراعة.
والمكافحة البيولوجية للآفات والامراض النباتية ليست ممارسة جديدة. بل كان أجدادنا يستخدمونها لآلاف السنين. والآن بدأت بالانتشار مجددًا كجزء من الزراعة العضوية للحصول على غذاء صحي خالي من السموم والحفاظ على البيئة. بل أصبحت هناك مراكز أو مختبرات متخصصة لتربية الأعداء الحيوية وذلك بتوفير الظروف المثلى لتكاثر وتطوير الأعداء الطبيعيين.
طرق المكافحة الحيوية:
إن السبب في تفشي الآفات في منطقة ما، هو عدم وجود أعداءها الطبيعيين وهذا ينتج عن انتقال الافة من موطنها الأصلي عن طريق استيراد المحاصيل والبذور دون انتقال الأعداء الطبيعيين لها. مما أدى إلى زيادة أعدادها وزيادة خطرها على المحاصيل. لذا كان هناك ثلاثة طرق واسعة ومتداخلة إلى حد ما من المكافحة البيولوجية: المحافظة، والسيطرة البيولوجية الكلاسيكية (إدخال الأعداء الطبيعيين إلى مكان جديد)، والإكثار.
1- المكافحة البيولوجية الكلاسيكية(الاستيراد):
في هذه الطريقة يتم الإدخال المتعمد للأعداء الطبيعيين من النطاق الأصلي للآفة إلى موقع جديد حيث أصبحت الآفة مُشكِلة، وذلك بدراسة الأعداء الطبيعيين للآفة في موطنها الأصلي وجلب أكثرها قدرة على مكافحة الآفة. تُستخدم هذه الطريقة عندما لا يكون الأعداء الطبيعيون للآفة موجودين أو عندما لا يكونوا فعالين بما يكفي في السيطرة على أعداد الآفة. يقوم الأعداء الطبيعيون الذي تم إدخالهم بالتكاثر في البيئة الجديدة، مما يساعد على السيطرة على أعداد الآفات. مثل: إدخال دبابير أناغيروس لوبيزي الطفيلية إلى حقول الكسافا في الصين للقضاء على البق الدقيقي الذي أهلك المحاصيل. وفي أمريكا الشمالية. تم إدخال الدعسوقة، التي تعود أصولها إلى أوروبا، كعدو طبيعي لحشرات المن، والتي كانت تسبب أضرارًا كبيرة للمحاصيل. نجحت خنفساء الدعسوقة في التأسيس وساعدت في تقليل أعداد حشرات المن.
2- المكافحة البيولوجية بالمحافظة والتنمية:
وتتضمن إنشاء وتعزيز الموائل التي تدعم الأعداء الطبيعيين للآفات. يمكن القيام بذلك من خلال توفير الغذاء والمأوى والموارد الأخرى التي تجذب الكائنات الحية المفيدة وتحافظ عليها. وتهدف هذه الطريقة على الحفاظ على التوازن بين الآفات وأعدائها الطبيعيين في النظام البيئي. مثل زراعة النباتات المزهرة في الحقول الزراعية لجذب ودعم الحشرات المفيدة مثل الدبابير الطفيلية والخنافس المفترسة. تتغذى هذه الحشرات المفيدة على الآفات مثل حشرات المن واليرقات، مما يساعد على التحكم بشكل طبيعي في أعدادها. وهي تصلح في مكافحة الآفات في موطنها الأصلي.
3- المكافحة البيولوجية بالإكثار:
تعني إطلاق أعداء طبيعيين إضافيين في منطقة ما لتساعد وتعزيز مكافحة الآفات ويتم في وقت حرج من الموسم كوقت وضع بيوض الآفات حتى يتم القضاء عليها بسرعة أكبر. تُستخدم هذه الطريقة عندما يكون الأعداء الطبيعيون موجودين بالفعل ولكن أعدادهم غير كافية للسيطرة الفعالة على الآفة. يساعد الأعداء الطبيعيون المفرج عنهم على زيادة إجمالي أعداد الاعداء الطبيعيين وتحسين مكافحة الآفات. مثل: إطلاق دبابير Trichogramma للسيطرة على حفار الذرة الأوروبي (Ostrinia nubilalis) في حقول الذرة في وقت وضع بيوضه. إذ إندبابير الترايكوجراما هي طفيليات تضع بيضها داخل بيض حفار الذرة. عندما تفقس يرقات دبور فإنها تأكل بيض حفار الذرة مما يقلل من أعدادها.
عوامل المكافحة الحيوية:
هي الكائنات الحية سواء كانت حشرات أم كائنات مجهرية كالفيروسات تعمل على القضاء على الآفات والأمراض النباتية بالقتل أو التطفل أو إصابتها بالمرض. ونذكر من العوامل الأساسية للمكافحة الحيوية:
الحيوانات المفترسة:
وهي آكلة حشرات تعيش على افتراس عدد هائل من الحشرات طوال حياتها وهي هنا الآفات التي تصيب المحاصيل. مثل الدعسوقة التي تفترس حشرات المن. وإن المكافحة بالحيوانات المفترسة لا تؤتي ثمارها فورًا بل إنها تحتاج للوقت للتكاثر ولذلك فمن الضروري إدخالها قبل أن تتطور أعداد كبيرة من الآفات المستهدفة.
تتطلب الحيوانات المفترسة ظروفًا دافئة، لتتكاثر بسرعة. ليكن تطبيقها في الأوقات من الربيع إلى بداية الخريف. وفي البيوت المحمية يمكنك ضبط درجات حرارة نهارية لا تقل عن 21 درجة مئوية وكثافة إضاءة عالية لتحفيز التكاثر.
أمثلة على تطبيق الحيوانات المفترسة:
- للقضاء على توتا أبسلوتا وهي من الحشرات المدمرة لمحصول الطماطم في البيوت المحمية في السعودية، أطلق عليها الضمجيات وبق النيزي التي ساعدت في تقليل أعدادها والسيطرة عليها.
- وتطبيق العث المفترس الذي يمكنه القضاء على عدة آفات مثل التربيس والذباب الأبيض والعث العاشبة.
الديدان الخيطية:
وهي ديدان ممرضة للحشرات والآفات اللافقارية. وهي تعمل عن طريق دخول جسم اللافقاريات وإطلاق البكتيريا. وينتج عن ذلك عدوى تسبب موت اللافقاريات، ثم تتغذى الديدان الخيطية وتتكاثر على الجسم المتحلل.
وهي تباع في عبوات، تخلط بالماء وتضاف إلى التربة. ومن الأفضل تطبيقها في ظروف باردة ورطبة. وتتطلب درجة حرارة أعلى من 5 درجات مئوية.
الطفيليات:
وهي في الغالب دبابير أو ذباب، تضع بيوضها داخل جسم الآفة أو داخل بيوضها، لتصبح الآفة أو بيوضها بعد ذلك غذاء لليرقات، وينتهي الأمر بموت الآفة.
مثال على الطفيليات: تطفل الدبور الطفيلي Aleodes indiscretus على يرقة العثة الاسفنجية وهي آفة خطيرة. والدبور الطفيلي Encarsia formosa الذي يتطفل على الذبابة البيضاء.
مسببات الأمراض:
وتسمى أيضًا بالمكافحة الميكروبية، وهي كائنات مجهرية تشمل البكتيريا والفطريات والفيروسات. وهي تُمرض الآفات المضيفة وتقتلها مما يجعلها عوامل فعالة للمكافحة الحيوية.
مثال على البكتيريا المستخدمة في المكافحة الحيوية: بكتيريا العصوية التورنجية (Bacillus thuringiensis) تسكن في التربة، وهي تصيب الجهاز الهضمي للآفات كالمن والحشرات القشرية. وتسبب شلل القناة الهضمية مما يجعل الحشرة تتوقف عن تناول الطعام وتموت جوعّا.
مثال على الفطريات الممرضة: فطر بوفيريا باسيانا ( Beauveria bassiana)وهو فطر ينمو في التربة والذي أظهر فعاليته ضد عثة الشمع وخنفساء السلحفاة والمن والذباب الأبيض.
مثال عن الفيروسات المستخدمة في المكافحة الحيوية: تعد الفيروسات العصوية Baculovirus مثالًا شائعًا للفيروسات المستخدمة في المكافحة البيولوجية. وهي تستهدف على وجه التحديد بعض الآفات الحشرية، مثل اليرقات، وتستخدم عادةً كمبيدات بيولوجية على شكل بخاخات أو غبار. عندما تستهلك الآفات المستهدفة الفيروس أو تتلامس معه، فإنها تصيب خلاياها وتؤدي في النهاية إلى موتها.
ولا ننسى التفاعل العدائي بين أنواع الفطريات المختلفة الذي يؤدي إلى التخلص من الفطريات الضارة بالنباتات، فمثلًا فطر الترايكوديرما وهو فطر مفيد للنبات يهاجم نوع من الفطريات الضارة Rhizoctonia sp وهو من الفطريات التي تسبب تعفن الجذور في النباتات. حيث تهاجم الترايكوديرما العامل الممرض للنبات Rhizoctonia sp. عندما تتلامس الترايكوديرما مع Rhizoctonia sp، فإنها تشكل لفائف أو خيوط ضيقة حول الخيوط العريضة لـ Rhizoctonia sp. فتعمل على تقييد نموها وحركتها، مما يؤدي إلى انهيارها وموتها في نهاية المطاف.اقرأ أيضًا: فطر التريكوديرما: ما هو؟ وماهي فوائده للنبات والتربة.
إن المكافحة الحيوية هي جزء أساسي من الزراعة العضوية التي تعتبر بداية النهاية للمبيدات الكيماوية وآثارها الضارة على البيئة والانسان. ويمكنك تطبيق المكافحة الحيوية في حديقتك. وللحصول على أفضل المنتجات العضوية تصفح متجر تقنيات الزراعة الحديثة.
بعض المصادر: